فرنسا تراهن على رؤية 2030: تفكيك الدوافع الاقتصادية والجيوسياسية لزيارة وزير التجارة الخارجية للرياض


في خطوة تؤكد التموضع الاستراتيجي لباريس ضمن المشهد الاقتصادي المتسارع في الشرق الأوسط، يبدأ وزير التجارة الخارجية الفرنسي، نيكولا فوريسييه، زيارة رسمية هي الأولى له إلى المملكة العربية السعودية. تأتي هذه الزيارة، الممتدة من الجمعة إلى الأحد، لتضع على الطاولة ملفات اقتصادية ثقيلة تتجاوز الإطار التقليدي للعلاقات التجارية الثنائية. ففي الوقت الذي تعيد فيه الرياض رسم خريطة نفوذها الاقتصادي عبر "رؤية 2030"، تسعى فرنسا لترسيخ موقعها كشريك أوروبي مفضّل، مستفيدة من التنافسية المشتعلة بين القوى الغربية والآسيوية للظفر بعقود المشاريع العملاقة.

مكتب الوزير الفرنسي وصف المملكة بأنها باتت "ساحة فرص للشركات الفرنسية"، وهو توصيف يحمل دلالات استثمارية عميقة يجب على الأسواق المالية الأوروبية والخليجية قراءتها بتمعن.

فك شفرة الفرص: لماذا السعودية هي الوجهة الأولى؟

لا يمكن النظر إلى زيارة فوريسييه بمعزل عن التحول الهيكلي الذي تشهده السعودية. لقد تجاوزت المملكة مرحلة مجرد تنويع مصادر الدخل، لتدخل مرحلة بناء اقتصاد مستقبلي يقوم على الاستدامة، التكنولوجيا، والقطاعات غير النفطية. بالنسبة لباريس، التي تعد قوة صناعية وتكنولوجية وعسكرية، فإن تزامن هذه الزيارة مع المراحل الحاسمة لمشاريع مثل "نيوم" و"البحر الأحمر" وخطط الخصخصة يمثل توقيتاً مثالياً للتوغل.

يعد قطاع البنية التحتية المتقدمة والطاقة المتجددة (حيث تتمتع الشركات الفرنسية بخبرة رائدة) من الأهداف الرئيسية. علاوة على ذلك، لا يمكن إغفال النفوذ الفرنسي التقليدي في قطاعات الدفاع والطيران، والتي تمثل ركيزة أساسية في الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

العقود الضخمة: استهداف القطاعات الحيوية لـ 2030

المستثمرون والمحللون الاقتصاديون يركزون على ثلاثة محاور رئيسية يتوقع أن تكون في صلب المناقشات، وهي قطاعات قد تشهد تدفقات استثمارية ضخمة للشركات المدرجة في بورصة يورونكست (Euronext):

1. قطاع التكنولوجيا والتحول الرقمي

تسعى السعودية لرقمنة خدماتها الحكومية والخاصة بالكامل. الشركات الفرنسية الكبرى في مجال التكنولوجيا المالية (FinTech) والأمن السيبراني، يمكنها الاستفادة من هذه البيئة. وهذا يتطلب نقل خبرات متقدمة وليس مجرد بيع منتجات جاهزة.

2. الدفاع والأمن الاستراتيجي

تاريخياً، كانت فرنسا من الموردين الرئيسيين لأنظمة الدفاع المتقدمة للرياض. مع تصاعد التوترات الإقليمية والحاجة السعودية لتعزيز قدراتها السيادية، يتوقع أن تشهد مفاوضات حول تجديد أو توسيع عقود صيانة وتوريد أنظمة عسكرية فرنسية الصنع.

3. الترفيه والضيافة الفاخرة

تعتبر فرنسا رائدة عالمياً في قطاع السلع الفاخرة والضيافة (Luxury and Hospitality)، وهي قطاعات محورية في بناء هوية المدن السعودية الجديدة. تفتح المشاريع السياحية الكبرى آفاقاً واسعة لمجموعات الفنادق العالمية والمصممين والشركات المختصة بإدارة الفعاليات الكبرى (مثل إكسبو 2030 وكأس العالم).

الأبعاد الجيوسياسية: التموضع الأوروبي في الخليج

من منظور جيوسياسي، لا يمكن فصل اندفاع فرنسا نحو تعميق شراكتها مع الرياض عن رغبة باريس في لعب دور أوروبي محوري ومستقل في المنطقة. في ظل تذبذب التواجد الأمريكي ورغبة دول الخليج في تنويع تحالفاتها الاستراتيجية بعيداً عن الاعتماد الأحادي، تقدم فرنسا نفسها كقوة أوروبية مستقرة وموثوقة.

هذه الزيارة هي رسالة ضمنية إلى المنافسين الأوروبيين (لا سيما ألمانيا) مفادها أن فرنسا جاهزة لتكون البوابة الرئيسية لاستثمارات الاتحاد الأوروبي في المملكة. ويأتي هذا التنافس الأوروبي على خلفية تحركات الصين وروسيا لزيادة نفوذهما الاقتصادي والسياسي في الشرق الأوسط. لفرنسا مصلحة حيوية في ضمان استقرار تدفقات الطاقة والأسواق المالية في منطقة حيوية كهذه.

الخلاصة للمستثمر: إن الإشارات الصادرة من باريس والرياض تشير إلى قفزة نوعية مرتقبة في حجم التبادلات التجارية والاستثمار المباشر. يجب على صناديق الاستثمار متابعة أسهم الشركات الفرنسية النشطة في قطاعات البنية التحتية والدفاع والتكنولوجيا، إذ من المرجح أن تكون النتائج الإيجابية لهذه الزيارة قادرة على تحريك مؤشرات القطاعات المعنية في الأسواق الأوروبية خلال الربعين القادمين.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال