في تطور يهدد بتعميق الأزمة الأخلاقية والمؤسساتية في المملكة المتحدة، هزت شهادة ضابط بريطاني رفيع سابق أروقة لجنة التحقيق العامة، مؤكداً ارتكاب القوات الخاصة البريطانية (SAS) لما يُحتمل أن يكون جرائم حرب ممنهجة خلال عملياتها في أفغانستان. هذه التصريحات، التي تشير صراحة إلى عمليات إعدام خارج نطاق القانون لمشتبه بهم، لا تمثل مجرد فضيحة عسكرية، بل تُسلط الضوء على مخاطر هيكلية قد تترجم مباشرة إلى تكاليف جيوسياسية واقتصادية على المدى المتوسط والطويل. نحن هنا لا ننقل خبراً، بل نحلل تداعياته على دفتر المستثمر وميزان القوى العالمي.
خطر السردية المهتزة: التبعات الجيوسياسية لاتهامات الـ SAS
تعتبر المملكة المتحدة لاعباً محورياً في التحالفات الغربية (الناتو)، وتعتمد بشكل كبير على "القوة الناعمة" ومصداقية مؤسساتها العسكرية والقانونية. إن الإقرار بأن سلسلة القيادة كانت على علم بالانتهاكات ولم تحرك ساكناً، كما أفادت الشهادة، يمثل ضربة قاصمة لهذه السردية.
فشل القيادة العليا: مسألة التغطية والمحاسبة
بالنسبة للمحلل السياسي، فإن النقطة الأكثر خطورة تكمن في فشل هيكل القيادة. هذا الفشل يثير تساؤلات جدية حول الرقابة الداخلية وامتثال لندن للقانون الدولي الإنساني. إن أي تقاعس رسمي في إجراء تحقيق شفاف ومحاسبة الأفراد قد يضع بريطانيا تحت طائلة المحاكم الدولية، أو على الأقل، يعرضها لضغوط دبلوماسية شديدة من حلفائها وخصومها على حد سواء.
- تآكل الثقة: يؤدي هذا الكشف إلى تآكل الثقة في العمليات العسكرية المشتركة، ما قد يعيق التعاون المستقبلي مع شركاء أساسيين، خاصة في مناطق النزاع الحساسة.
- ورقة ضغط للخصوم: يوفر هذا الملف مادة دسمة للقوى المناوئة (مثل روسيا والصين) لاستخدامها في حملات التشويه الدولية ضد الغرب، والتشكيك في معاييره الأخلاقية التي يرفعها في المنتديات العالمية.
التحليل الاقتصادي: كلفة الانتهاكات على ميزان المدفوعات وقطاع الدفاع
لا تتوقف تداعيات مثل هذه الفضائح عند الجانب الأخلاقي؛ بل تمتد لتلامس الجانب الاقتصادي بشكل مباشر. المستثمرون يراقبون عن كثب مؤشرات الحكم الرشيد (Governance) وسيادة القانون في الدول التي يستثمرون فيها. هذا النوع من المخاطر الهيكلية يرفع من "علاوات المخاطر" (Risk Premiums) المرتبطة بالاستثمار في البيئة البريطانية.
التكاليف القانونية والتعويضات المحتملة
إذا ثبتت هذه المزاعم، فستواجه وزارة الدفاع البريطانية (MoD) موجة من الدعاوى القضائية المتعلقة بالتعويضات. هذه الدعاوى لا تقتصر على التعويضات المالية الضخمة التي ستؤثر مباشرة على الميزانية العامة للدولة، بل تتضمن أيضاً تكاليف التحقيقات المطولة والدفاع القانوني الدولي الذي قد يستمر لسنوات. هذه الأموال كان يمكن توجيهها نحو الإنفاق على البنية التحتية أو تحفيز النمو الاقتصادي.
تأثيرها على شركات الدفاع البريطانية
عادة ما تكون شركات الدفاع الكبرى، التي تعتمد على العقود الحكومية وعقود التصدير، حساسة للغاية تجاه سمعة المؤسسة العسكرية للدولة الأم. إن أي تلطيخ لسمعة القوات الخاصة قد يؤثر على:
- قرارات الشراء الدولية: قد تعيد الدول الحليفة النظر في صفقات الأسلحة والتدريب مع بريطانيا لتجنب ربط عملياتها بانتهاكات حقوق الإنسان.
- سوق الأسهم: على الرغم من أن التأثير قد يكون غير مباشر، إلا أن حالة عدم اليقين القانوني والجيوسياسي يمكن أن تفرض ضغطاً بيعياً على أسهم الشركات البريطانية المدرجة في قطاع الدفاع والأمن، التي تعتمد بشكل كبير على الاستقرار المؤسسي للدولة.
خلاصة استثمارية: ضرورة الشفافية
إن أفضل مسار يمكن أن تتخذه الحكومة البريطانية للحد من التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية هو الشفافية المطلقة والالتزام الصارم بالمحاسبة. في غياب ذلك، ستبقى هذه المزاعم تمثل عبئاً مستمراً يثقل كاهل الميزانية العامة، ويؤثر سلباً على جاذبية المملكة المتحدة كمركز موثوق للاستثمار العالمي. المستثمرون يفضلون اليقين، وفضيحة بهذا الحجم تضخ سمّ عدم اليقين في أوصال السياسة والدفاع والاقتصاد البريطاني.
— فريق التحليل الجيواقتصادي.