معضلة الجنوب: هل يدفع الجمود الجيوسياسي لبنان نحو حافة الهاوية المالية؟


في سياق تزايد المخاطر الجيوسياسية التي تخيم على منطقة الشرق الأوسط، يمثل التصريح الأخير لرئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، نقطة تحليل محورية للمستثمرين المهتمين بتقييم المخاطر السيادية في بيروت. أشار سلام إلى أن الفشل في حل معضلة الانسحاب الإسرائيلي المتبادل مع نزع سلاح حزب الله، يخلق حلقة مفرغة تؤجج عدم الاستقرار وتضاعف تكلفة المخاطر على الاقتصاد المنهار بالفعل.

الحلقة المفرغة للنزاع: تحليل الذرائع الجيوسياسية

يكمن لب التحليل في المعضلة التبادلية التي صرح بها سلام: إسرائيل تتخذ من بقاء سلاح حزب الله ذريعة لعدم الالتزام بالانسحاب الكامل من النقاط المتنازع عليها في جنوب لبنان، بينما يتمسك حزب الله بضرورة الإبقاء على قوته العسكرية كأداة ردع حتى تحقق إسرائيل الانسحاب التام. هذا الجمود ليس مجرد خلاف سياسي، بل هو آلية تعليق فعالة لتنفيذ القرار الأممي 1701 ويشكل أعلى درجات المخاطر التنفيذية في المنطقة.

من منظور المستثمر، فإن هذه التصريحات لا تعني مجرد جمود، بل تعني أن العائد المطلوب على سندات الخزينة اللبنانية (إن وجدت) يجب أن يعكس علاوة مخاطر مرتفعة جداً، نتيجة استمرار احتمالية التصعيد العسكري واسع النطاق. فالسلام المؤقت يظل رهناً بإرادة الأطراف الداخلية والخارجية التي تستفيد من حالة "اللا حرب واللا سلام".

انعكاسات الجمود على الاقتصاد الكلي والسيولة

تؤدي البيئة الجيوسياسية المتأزمة إلى آثار مباشرة على القدرة اللبنانية على التعافي الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

  • التعطيل المؤسساتي: استمرار القضايا الأمنية يضمن الشلل السياسي الداخلي، ما يعيق أي جهود إصلاح هيكلية تتطلبها المؤسسات المالية الدولية (كصندوق النقد الدولي).
  • تآكل الثقة: المستثمرون المحليون والأجانب يعتبرون الجنوب خطراً نظامياً يهدد البنية التحتية بأكملها. هذا يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وزيادة الضغط على الليرة اللبنانية في السوق الموازية.
  • تعليق مشاريع الطاقة: لا يمكن للمناقشات المتعلقة بالتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقليمية أن تتقدم بجدية طالما ظلت الحدود البرية والبحرية مصدر توتر قابل للانفجار.

تقييم المخاطر الإقليمية: سيناريوهات الاستجابة

لا يمكن فصل الموقف اللبناني عن الديناميكيات الإقليمية الأوسع. تصريحات سلام تلقي الضوء على أن الحل ليس داخلياً بحتاً، بل يتطلب ضمانات دولية أو إقليمية واسعة، وهي حالياً غائبة أو غير كافية.

أبعاد المخاطر للمحافظ الاستثمارية

بالنسبة للمستثمرين الذين يتعاملون مع الأسواق الناشئة أو المهتمين بالتعرض للأسواق المجاورة (مثل مصر، الأردن، دول الخليج):

  1. العقود الآجلة للنفط والغاز: أي تصعيد كبير في الجنوب اللبناني يرفع فوراً علاوات مخاطر الإمدادات في المنطقة الشرقية للبحر المتوسط، ما يؤثر على أسعار النفط العالمية.
  2. التعرض للمؤسسات المالية: المؤسسات المالية الإقليمية التي لديها تعرض مباشر أو غير مباشر للبنان، تواجه ارتفاعاً في مخاطر الديون المتعثرة. يجب مراقبة تصنيف لبنان الائتماني (الذي هو في خانة "التعثر الانتقائي" أو ما دونها) كإشارة تحذير لبيئة الإقراض الإقليمية.
  3. مؤشرات عدم الاستقرار: استمرار الجمود يؤكد أن لبنان لم يعد مجرد قصة اقتصادية صعبة، بل أصبح بؤرة جيوسياسية متفجرة، ما يستدعي تخفيض التعرض الجغرافي للمنطقة ككل حتى إشعار آخر.

في الختام، يُظهر تصريح رئيس الوزراء نواف سلام أن المفتاح للاستقرار الاقتصادي والسياسي في لبنان لا يزال مقفولاً بأقفال جيوسياسية معقدة. طالما بقيت حلقة "الانسحاب مقابل نزع السلاح" مهيمنة، فإن لبنان سيظل خارج دائرة الجذب الاستثماري، وسيستمر في دفع الثمن الباهظ للجمود السياسي. يجب على المستثمرين أن يدرجوا هذا الجمود ضمن أعلى مستويات المخاطر النظامية عند تقييم أي استثمار مرتبط بالمنطقة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال