جبال النوبة: "مجزرة كمو" تصعِّد مخاطر الاستثمار في السودان وتعمّق الهاوية الجيوسياسية


في تطور صادم يؤكد على الانهيار المتسارع للمعايير العملياتية في الصراع السوداني، حمَّلت قوات الدعم السريع (RSF) الجيش السوداني (SAF) المسؤولية الكاملة عن هجوم بطائرة مسيَّرة استهدف منطقة "كمو" في جبال النوبة، ما أسفر، بحسب إفادة الدعم السريع، عن مقتل 45 شخصاً غالبيتهم من المدنيين والطلاب الأبرياء. نحن، كمحللين للأسواق والمخاطر الجيوسياسية، ننظر إلى هذه الأحداث ليس كخسائر إنسانية فحسب، بل كمؤشرات قوية على تدهور البيئة التنظيمية والسيادية، الأمر الذي يحمل تداعيات وخيمة على أفق الاستثمار في منطقة القرن الإفريقي بأسرها.

التحليل الجيوسياسي: دلالات استهداف المدنيين بالطائرات المسيَّرة

يشير استخدام الأسلحة الجوية الدقيقة (كالمسيَّرات) في استهداف تجمعات مدنية، حتى لو كانت ضمن مناطق نفوذ الخصم (جبال النوبة)، إلى تحول خطير في استراتيجية الحرب. هذا التصعيد لا يعكس فقط توسيعاً لمدى العمليات، بل يرسل رسائل واضحة إلى المجتمع الدولي حول مدى استعداد الأطراف المتحاربة لتجاهل القانون الدولي الإنساني.

  • تفاقم الضبابية العملياتية: استهداف المدنيين يُزيل أي أمل متبقٍ في فصل النزاع عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ما يضمن استمرار نزيف رأس المال وفرار الكفاءات.
  • أهمية جبال النوبة: تمثل جبال النوبة منطقة استراتيجية ذات حساسية إثنية وسياسية عميقة. أي تصعيد هناك يهدد بإطالة أمد الصراع وتحويله إلى حرب استنزاف شاملة، بعيدة عن أي حل سياسي أو اقتصادي مستدام.
  • تزايد التدخل الخارجي: كلما ازداد العنف الداخلي، زادت جاذبية الأطراف المتناحرة للدعم العسكري الخارجي، مما يُحوّل السودان إلى ساحة حرب بالوكالة، وهو سيناريو يكرهه المستثمرون الإقليميون والدوليون.

انعكاسات الكارثة الإنسانية على مؤشرات المخاطر السيادية

إن الربط المباشر بين مقتل أعداد كبيرة من الطلاب والمدنيين والعمليات العسكرية له تأثير فوري ومباشر على تقييم المخاطر السيادية (Sovereign Risk) للسودان، وهي المؤشرات التي يعتمد عليها المستثمرون لتحديد جدوى أي تعاملات مستقبلية.

أولاً: خطر العقوبات (Sanctions Risk): تزيد مثل هذه الحوادث بشكل كبير من الضغط على الحكومات الغربية والمنظمات الدولية لفرض عقوبات أكثر قسوة على قيادات الجيش وقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى الكيانات الاقتصادية المرتبطة بهما. هذه العقوبات لا تعيق حركة التمويل المباشر فحسب، بل تُصعِّب أيضاً إجراء المعاملات المصرفية الأساسية، ما يشلّ أي قطاع تجاري متبقٍ.

ثانياً: تجميد الدعم المالي: يربط المانحون الدوليون (كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي) بشكل حاسم استئناف الدعم المالي والديون بتوافر درجة معينة من الاستقرار واحترام حقوق الإنسان. "هجوم كمو" يعطي تبريراً قوياً لتجميد حزم المساعدات وعمليات إعادة هيكلة الديون لسنوات قادمة، ما يُبقي السودان في حلقة مفرغة من العجز المالي.

التأثير الإقليمي والدروس للمستثمرين في الأسواق الناشئة

لا يمكن عزل الاقتصاد السوداني عن جيرانه. استمرار النزاع بهذا العنف يغذي عدم الاستقرار عبر الحدود، خاصة في مصر وإثيوبيا وتشاد. هذه العوامل تزيد من "علاوة المخاطر الجيوسياسية" (Geopolitical Risk Premium) التي يفرضها المستثمرون على المنطقة بأكملها.

على المستثمرين الذين يراقبون الأسواق الناشئة أن يعوا أن غياب المساءلة الدولية حول استهداف المدنيين يرسل إشارة مقلقة مفادها أن الاستثمار في مناطق النزاع غير محمي بأي ضمانات أخلاقية أو قانونية فعالة.

الخلاصة: طالما بقي الطرفان ملتزمين بتصعيد يضحي بالمدنيين والأطفال، فإن الطريق إلى التعافي الاقتصادي في السودان يظل مغلقاً تماماً. يجب على صناديق الاستثمار النظر إلى السودان في الوقت الحالي على أنه "منطقة حظر استثماري" (Investment No-Fly Zone) حتى تظهر مؤشرات حقيقية على التزام الأطراف بمسار سياسي يضمن سلامة البنية التحتية وحياة الأفراد.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال