غولدمان ساكس يطلق تحذيراً: سهم ميتوان ديانبينغ يصارع شبح 'النمو بلا ربحية'
في خطوة تحمل دلالات استراتيجية عميقة للأسواق الآسيوية وقطاع التكنولوجيا الصيني، أعلن بنك الاستثمار العملاق غولدمان ساكس (Goldman Sachs) عن تخفيض سعره المستهدف لسهم شركة ميتوان ديانبينغ (Meituan Dianping). لا يمثل هذا التخفيض مجرد تعديل رقمي عابر، بل هو إشارة واضحة من أحد أبرز بيوت الخبرة العالمية بأن نموذج "النمو بأي ثمن" الذي هيمن على شركات الإنترنت الصينية يواجه الآن تحديات جسيمة، أبرزها عدم القدرة على تحقيق الربحية المستدامة في ظل بيئة تنظيمية وتنافسية متغيرة.
التحول المحوري: من الهيمنة إلى ضغط الهوامش
تُعد ميتوان ديانبينغ، اللاعب المهيمن في خدمات التوصيل المحلية ومنصات التجارة الإلكترونية القائمة على الموقع الجغرافي في الصين، نموذجاً لشركات التكنولوجيا التي حققت توسعاً هائلاً على حساب هوامش الأرباح. وقد جاء قرار غولدمان ساكس بتخفيض التقييم مدفوعاً بشكل رئيسي بعاملين متضافرين:
1. استمرار النزيف المالي والمنافسة الشرسة
أشار المحللون في غولدمان ساكس إلى أن الخسائر التشغيلية للشركة استمرت بوتيرة أعلى من المتوقع. هذه الخسائر ليست عرضية، بل هيكلية، وتتركز في استراتيجيات التوسع العدوانية التي تتطلب إنفاقاً رأسمالياً هائلاً على المساعدات الحكومية للسائقين، والخصومات لجذب المستهلكين، وخصوصاً في مواجهة منافسين أقوياء مثل مجموعة علي بابا (Alibaba Group) وديدي (Didi) الذين يدخلون سوق توصيل الأغذية والتجارة المحلية بقوة. إن ضغط المنافسة يُجبر ميتوان على إبقاء مستويات الإنفاق مرتفعة، مما يهدد أي مسار واضح للربحية.
2. الرياح التنظيمية المعاكسة
لا يمكن فصل قرار غولدمان ساكس عن المناخ السياسي والاقتصادي الأوسع في الصين. إن الحملة الحكومية المستمرة على احتكارات التكنولوجيا (Anti-Monopoly Crackdown) تضع قيوداً صارمة على قدرة الشركات على فرض رسوم عالية على التجار أو ممارسة سلوكيات تسعيرية قاسية. في حالة ميتوان، يعني هذا أن فرصها في زيادة الهوامش عبر رفع العمولات أو خفض إنفاقها على المزايا الاجتماعية للعمال أصبحت محدودة بشكل كبير. هذا التدخل يفرض سقفاً على التقييمات المستقبلية.
رسالة جولدمان ساكس للمستثمرين الآسيويين
يتجاوز تأثير هذا التخفيض سهم ميتوان نفسه، ليصبح بمثابة "جرس إنذار" للمستثمرين في الأسواق الآسيوية، وخصوصاً تلك الأسهم المدرجة في هونج كونج (HKEX) أو التي لديها مكون تكنولوجي صيني قوي.
الخلاصة التحليلية: تتجه الأسواق الآن نحو التقييمات التي تركز على التدفقات النقدية الحقيقية والربحية المثبتة، بدلاً من مجرد أرقام النمو السطحي للمستخدمين أو الإيرادات. إن قرار جولدمان ساكس يعكس يقيناً متزايداً بأن مرحلة "التقدير الأعمى للنمو" قد انتهت، وأن المستثمرين بحاجة لإعادة تقييم المخاطر المرتبطة بالشركات التي تعمل بنماذج أعمال تتطلب حرقاً مستمراً للنقد.
على المستثمرين الذين يمتلكون حصصاً في شركات التكنولوجيا الصينية الكبرى مراجعة محافظهم، مع التركيز على الشركات القادرة على تحقيق توازن بين تلبية المتطلبات التنظيمية الصارمة وبين المحافظة على هيكل تشغيلي رشيق ومربح.
التوقعات الاستراتيجية
من المرجح أن يؤدي تخفيضات التقييمات من بيوت الاستثمار الكبرى مثل غولدمان ساكس إلى زيادة الضغط على إدارة ميتوان لتسريع جهود ترشيد الإنفاق ووقف النزيف في الأقسام غير الأساسية. قد نشهد تحولاً استراتيجياً نحو التركيز على الكفاءة التشغيلية بدلاً من التوسع الأفقي العشوائي. هذا التطور قد يعيد تشكيل خارطة المنافسة في قطاع الخدمات المحلية الصيني، حيث تبقى الشركات التي تملك احتياطات نقدية ضخمة وقدرة على التكيف التنظيمي هي الأقوى على المدى الطويل.