استراتيجيات الشركات الأمريكية في إدارة النقد: بين الأرباح المتعافية والتحديات الجيوسياسية
المشهد الاقتصادي الحالي: تعافٍ محدود وسط عدم استقرار
تشهد الشركات الأمريكية حالة من التعافي المتواضع في أرباحها خلال عام 2025، حيث ارتفعت أرباح الشركات بنسبة 2% في الربع الثاني من العام لتصل إلى 3.266 تريليون دولار، معاكسة تراجعاً بنسبة 3.3% في الربع الأول[2]. غير أن هذا التعافي يحدث في سياق اقتصادي معقد يتسم بضغوط متعددة الأبعاد تؤثر على قرارات الشركات بشأن توظيف أموالها النقدية.
ارتفعت الأرباح غير الموزعة بنسبة 6.7% وصافي التدفق النقدي بنسبة 4.8%[2]، مما يشير إلى أن الشركات تحتفظ بجزء أكبر من أموالها بدلاً من توزيعها على المساهمين أو إعادة استثمارها بشكل فوري. هذا السلوك يعكس حالة من الحذر الاستراتيجي تجاه المستقبل.
تراجع جاذبية الأسهم الأمريكية: هروب رؤوس الأموال الأجنبية
يواجه سوق الأسهم الأمريكي تحديات حقيقية في جذب الاستثمارات الأجنبية. تشير تحليلات بنك أوف أمريكا إلى انخفاض حصة الولايات المتحدة من الاستثمارات العالمية في أسواق الأسهم بشكل ملحوظ خلال 2025[1]. فقد جذبت صناديق الأسهم الأمريكية أقل من نصف التدفقات الاستثمارية العالمية منذ بداية العام، مقارنة بـ 72% في عام 2024[1]. الأرقام أكثر قسوة عند النظر إلى التدفقات الأجنبية المباشرة: انخفضت إلى أقل من ملياري دولار في الربع الأخير، بعد أن كانت تبلغ حوالي 34 مليار دولار في يناير[1]. هذا الانخفاض الحاد يعكس تحولاً جذرياً في ثقة المستثمرين الأجانب بالأسواق الأمريكية.
العوامل الدافعة للتراجع: سياسة وضعف العملة
يعزى هذا التراجع إلى عدة عوامل متشابكة[1]:
- سياسات التجارة: الرسوم الجمركية والنزاعات التجارية التي يتبعها الرئيس دونالد ترامب تثير قلق المستثمرين حول استقرار البيئة الاستثمارية
- اتساع العجز المالي: الضغوط على الميزانية الفيدرالية تزيد من عدم اليقين الاقتصادي
- ضعف الدولار: تراجع قيمة العملة الأمريكية أمام العملات العالمية يقلل من جاذبية الاستثمارات بالدولار
أزمة البيانات والإغلاق الحكومي: تأثير غير مباشر على قرارات الشركات
يضاف إلى هذه الضغوط أزمة الإغلاق الحكومي الأمريكي الأطول في التاريخ، والذي أدى إلى توقف نشر البيانات الاقتصادية الحيوية[3][5]. هذا الفراغ المعلوماتي يؤثر بشكل مباشر على قرارات الشركات بشأن استخدام نقدها:
- غياب بيانات التضخم والبطالة والنمو يجعل من الصعب على الشركات التخطيط الاستراتيجي
- الصناديق الكمية والخوارزميات تعاني من نقص البيانات عالية الجودة[3]
- انخفاض السيولة والتقلبات المنخفضة تقلل من فرص الاستثمار المربحة
البحث عن بدائل: تحول في احتياطيات النقد الأجنبي
على الصعيد العالمي، تبحث البنوك المركزية عن بدائل للدولار[6]. حوالي 60% من المشاركين في المناقشات الدولية يرغبون في التنويع بعيداً عن الدولار، لكن العملة الأمريكية تبقى قوية بسبب السيولة التي لا مثيل لها في سندات الخزانة الأمريكية[6]. من المتوقع أن يستفيد اليورو واليوان الصيني من هذا التحول، لكن الدولار سيظل العملة المهيمنة على احتياطيات النقد الأجنبي[6].
ماذا تفعل الشركات بنقدها؟ استراتيجية الحذر والانتظار
في ضوء هذه التحديات، تتبنى الشركات الأمريكية استراتيجية محافظة:
- الاحتفاظ بالنقد: ارتفاع الأرباح غير الموزعة يشير إلى تراكم النقد في الميزانيات
- تأجيل الاستثمارات الكبرى: عدم اليقين السياسي والاقتصادي يدفع الشركات للانتظار
- تقليل التوزيعات: قد تقلل الشركات من توزيعات الأرباح للحفاظ على السيولة
- الاستثمار المحلي المحدود: مع ضعف الطلب الأجنبي، قد تركز الشركات على السوق المحلية
الخلاصة: انتظار الاستقرار
تعكس استراتيجيات الشركات الأمريكية الحالية حالة من عدم اليقين المحسوب. بينما تحقق الشركات أرباحاً معقولة، فإنها تفضل الاحتفاظ بنقدها بدلاً من المخاطرة به في بيئة تتسم بالتوترات التجارية والسياسية والغياب المؤقت للبيانات الاقتصادية الموثوقة. هذا السلوك قد يكون عقلانياً على المدى القصير، لكنه قد يؤدي إلى تباطؤ الاستثمار والنمو على المدى الطويل إذا استمرت هذه الظروف.
المستثمرون والمحللون يراقبون عن كثب أي إشارات من الحكومة الأمريكية أو مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد تساعد في استعادة الاستقرار واستئناف دورة الاستثمار والنمو.