صدمة البنك العربي: إدانة دعم الإرهاب والارتدادات الجيوسياسية على الأسواق
(تحليل استراتيجي معمق حول تداعيات قرار هيئة المحلفين الأمريكية على القطاع المصرفي العالمي ومخاطر الامتثال العابرة للحدود)
في تطور قضائي هزّ الأوساط المالية العالمية والجيوسياسية في الشرق الأوسط، أصدرت هيئة محلفين اتحادية في نيويورك قرارها بإدانة البنك العربي، ومقره الرئيسي في الأردن، بمسؤوليته عن دعم عمليات إرهابية، وتحديداً عبر تحويل أموال لحركة حماس. لا يمثل هذا القرار مجرد سابقة قانونية فحسب، بل يشكل نقطة تحول حاسمة في تقاطع القانون الأمريكي مع العمليات المصرفية الدولية، ويضع ضغوطاً غير مسبوقة على المؤسسات المالية التي تعمل في مناطق النزاع السياسي.
زلزال الامتثال: الأبعاد القانونية للحكم الأمريكي
الحكم الصادر في سبتمبر 2014، والذي جاء بناءً على دعاوى مدنية رفعتها عائلات ضحايا هجمات مزعومة في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، يندرج ضمن قانون مكافحة الإرهاب الأمريكي (ATA). الإدانة، في جوهرها، لا تتعلق فقط بالتحويلات المباشرة، بل تركز على التقصير المنهجي في تطبيق ضوابط "اعرف عميلك" (KYC) وضوابط مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CTF).
- الخطر على السمعة: تعتبر هذه الإدانة ضربة قاصمة لسمعة البنك العربي، الذي يعد أحد اللاعبين الرئيسيين في القطاع المصرفي بالمنطقة العربية.
- أساس الدعوى: استند المدعون إلى أن البنك قام بتمرير ملايين الدولارات لجمعيات خيرية مرتبطة بحماس ودفع تعويضات لأسر "الشهداء" في الوقت الذي كانت فيه حماس مصنفة كمنظمة إرهابية لدى الولايات المتحدة.
الارتدادات الاقتصادية: مخاطر "قطع الشريان الدولاري"
بالنسبة للمستثمر والمدقق الاقتصادي، فإن الخطر الأكبر لا يكمن في الغرامات المحتملة (التي قد تتبع مرحلة تحديد التعويضات)، بل في التهديد الوجودي المتمثل في فقدان الوصول إلى النظام المالي الأمريكي.
العملات الدولية، وخاصة الدولار الأمريكي، يتم تصفيتها عبر البنوك المراسلة في نيويورك. إذا قررت السلطات التنظيمية الأمريكية (مثل الاحتياطي الفيدرالي أو وزارة الخزانة) أن البنك العربي يمثل خطراً غير مقبول، فقد يتم حرمانه من استخدام نظام المقاصة الدولاري. هذا السيناريو، المعروف بـ "إزالة المخاطر" (De-Risking)، هو الكابوس الأعظم لأي مؤسسة مالية دولية، حيث يعيق بشكل فوري قدرتها على إجراء المعاملات الدولية الأساسية.
الدرس الجيوسياسي للمصارف العربية
هذا الحكم يرسخ فكرة أن نطاق سلطة القوانين الأمريكية يمتد إلى ما هو أبعد من حدودها الجغرافية، مؤثراً على القرارات التشغيلية للبنوك حتى في الشرق الأوسط.
لقد بات لزاماً على المؤسسات المالية العاملة في مناطق تتسم بالصراعات السياسية أن تتبنى استراتيجيات امتثال (Compliance Strategies) تتجاوز المتطلبات المحلية:
- تضخيم ميزانيات الامتثال: يجب تخصيص موارد ضخمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لرصد الشركاء والتحويلات المشبوهة.
- المراجعة الدائمة: مراجعة شاملة ومستمرة لقوائم العقوبات الدولية، خاصة تلك الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) بوزارة الخزانة الأمريكية.
- تقليص المخاطر الجغرافية: بعض البنوك قد تضطر إلى الانسحاب كلياً من الأسواق أو الخدمات التي تحمل مخاطر جيوسياسية عالية، حتى لو كانت مربحة.
خلاصة القول للمستثمر: إدانة البنك العربي، وإن كانت قضية محددة بتاريخ محدد، فهي بمثابة جرس إنذار للأسواق العالمية. يجب على المستثمرين تقييم المؤسسات المالية ليس فقط بناءً على عوائدها، بل بناءً على قوة ومتانة أطر الامتثال لديها في مواجهة الضغوط الجيوسياسية المتزايدة. إن دمج المخاطر القانونية والسياسية ضمن نموذج تقييم القيمة أصبح الآن شرطاً أساسياً للنجاح في الأسواق العالمية.